يعد التعليم العالي ومؤسساته من الجامعات والمعاهد التقنية والمراكز العلمية والبحثية قمة السلم التعليمي في أي نظام تعليمي وفي جميع المجتمعات ، فهو يعد بمثابة الموقع الرئيس الذي يتم فيه اعداد الطلبة للتكيف مع الحياة الاجتماعية وواقع سوق العمل الذي سوف يتعاملون معه بعد التخرج . حيث يتم في هذه المؤسسات اعداد هؤلاء الطلبة علميا وتربويا واخلاقيا ومهاريا واجتماعيا ونفسيا ليكون ادوات بناء نافعة ومقتدرة في المجتمع .
وعليه تكون هذه المؤسسات التعليمية الجامعية مؤثرة بدرجة كبيرة في البيئة الاجتماعية الموجودة فيها ، حيث تكون نقطة اشعاع واستقطاب بارزة يتم من خلالها النظر الى كيفية القيام بتغيير وتطوير الواقع العلمي والاجتماعي للمجتمع وبما يتلائم مع الاتجاهات العالمية المعاصرة وتحدياتها وافرازاتها العلمية والتقنية .
ونتيجة لذلك ينبغي على الجامعات والمعاهد التقنية ان تستجيب للتطورات الكبيرة والمتسارعة الحاصلة في العالم اليوم نتيجة الثورة العلمية والتكنولوجية الهائلة وما اوجدته من اجهزة ومعدات وافكار لم تكن موجودة سابقا . وعليها اعادة النظر ودراسة امكانيات تطوير فلسفتها التعليمية واهدافها ومحتوى مناهجها الدراسية وطرائق التدريس واساليبه فيها وكذلك عمليات التقويم المناسبة لهذا التطور ، اضافة الى محاولة ايجاد وسائل وامكانيات وظروف تدريسية افضل تمكن الطلبة من التواصل والتأثر بالتطورات العلمية والتكنولوجية من خلال توفير البيئة المناسبه لهم لغرض استخدام طرائق واساليب تدريسية فعالة وكفوءة تؤدي الى احداث التعلم الفعال عند الطلبة وتنمية تفكيرهم العلمي وزيادة رغبتهم بالتعلم والاندفاع اليه بشوق كبير .
وتعد طرائق التدريس عنصرا اساسيا ومهما من عناصر المنهج الدراسي ، فهي تشكل مع الاهداف التعليمية والمحتوى الدراس وعملية التقويم عناصر مهمة في المنهج الذي يعد احد الاركان الاساسية للعملية التعليمية في أي نظام تعليمي وفي جميع المراحل الدراسية .
وفي التعليم العالي تكتسب طرائق التدريس والتدريب واساليبهما المختلفة اهمية كبيرة نتيجة للمستوى العمري والعقلي للطلبة وامكانية استخدام العديد من الوسائل والتقنيات التربوية الحديثة في عملية التدريس والاعتماد بدرجة كبيرة ايضا على قدرة الطلبة على التعلم الذاتي ، نتيجة لقدرتهم على التفاعل الايجابي والتعامل الجاد مع الاجهزة والوسائل الحديثة المتوفرة ، اضافة الى زيادة الدعم المادي والمعنوي لهذه المؤسسات مقارنة بالمؤسسات في المراحل التعليمية الاخرى لاهميتها الكبيرلاة التي تطرقنا اليها .
وحيث قدمت التكنولوجيا الحديثة وسائل وادوات لعبت دورا كبيرا في تطوير عملية التعليم والتعلم في السنوات الاخيرة ، واتاحت الفرصة لتحسين اساليب التعلم حيث ساعدت على اثارة دافعية الطلبة وتشجيعهم . وباستمرار الثورة التكنولوجية في الاتساع والانتشار ، ظهر الحاسوب الذي يمثل نقلة نوعية وتحديا لكل ماسبقه من ابتكارات او ادوات استخدمت في العملية التعليمية ، فقد تنوعت وتعددت مجالات استخدام الحاسوب في التعليم ، من استخدامه كمادة دراسية ، الى تطوير الاساليب المتبعة في التدريس بواسطة الحاسوب ، او استحداث اساليب جديدة يمكن ان يساهم من خلالها في تحقيق الاهداف المنشودة من عملية التدريس .
وقد حصل تطور كبير في الامكانيات الهائلة التي يقدمها الحاسوب للاغراض التعليمية من خلال ظهور شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) ومارافقها من تطورات هائلة ادت الى امكانية حصول الطلبة والتدريسيين على الكم الهائل من المعلومات التي يحتاجونها ويرغبون بالحصول عليها لاكمال عملية التعلم عندهم وهم في مواقعهم الدراسية ، حيث اضافت طرقا عديدة للحصول على المعلومات وتبادلها مع الاخرين بصورة لم تكن مألوفة سابقا .
ونتيجة لذلك ينبغي استفادة مؤسسات التعليم العالي من الجامعات والمعاهد التقنية من استخدام شبكة المعلومات الدولية للاغراض التعليمية وخاصة في تطوير طرائق التدريس فيها للحصول على تعلم فعال .
وتأتي هذه الورقة محاولة مبسطة لبيان اهمية وامكانيات استخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم ، ومن خلالها يتبين لنا امكانية الاستفادة منها في مؤسسات التعليم العالي في بلدنا العراق ، وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تؤدي الى صعوبة الحصول على المصادر العلمية المطبوعة وصعوبة السفر والتنقل وندرة طباعة واصدار الكتب المنهجية الحديثة التي تتماشى مع التطورات السريعة الحاصلة في العالم .
- اهمية استخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم :
تعتبر شبكة المعلومات الدولية من ابرز التقنيات التربوية الحديثة ، والتي برزت بخصائصها الحالية المعروفة ، خلال السنوات القليلة الماضية ، واصبحت اسلوبا للتبادل المعرفي بين مختلف المؤسسات التعليمية في العالم ، واستطاعت ايجاد تغيرات جذرية في انظمتها وبرامجها الدراسية .
وتعود فكرة انشاء شبكة المعلومات الدولية الى الستينيات من القرن الماضي ، حينما فكرت وزارة الدفاع الامريكية بانشاء نظام لامركزي للاتصالات يمكنه ربط عدد غير محدد من اجهزة الحاسوب بشبكة تبقى عاملة في مختلف الظروف . وقد استخدم الجيش الامريكي في عام (1960) شبكة مكونة من عدد من اجهزة الحاسوب ومرتبطة باربعة مواقع ، تسمح للمستخدمين بالاشتراك بالمصادر ، وارسال المعلومات من موقع لاخر ، ووضع التعليمات المبرمجة . حيث ظـــهر ما يسمى بشبكة اربانيت (ARPANET ) والتي تعــــني شبكة ادارة البحــــــــــــوث المتقدمة .
وقد استخدمت هذه الشبكة ( Advanced Research Project Administration Network )
من قبل الجامعات الامريكية ، واصبحت تعاني من ازدحام يفوق طاقتها ، مما ادى الى انشاء شبكة جديدة تسمى مل نت (MILNET) لتخدم الامور العسكرية ، وبقيت شبكة اربانيت للاتصالات غير العسكرية مع بقائها مربوطة مع شبكة مل نت وهذا ادى الى ظهور ما يسمى بروتوكولات النقل والسيطرة (TCP-IP ) ( Transmission and control protect – Internet Protocol )
عام (1983) .(Graus , 1999 , p. 13 )
واشار (Teo, et .al) الى حدوث تطورات كبيرة في هذه الشبكة ، ومنها الانعطافة المهمة في عام (1993) عندما اصدر المركز الوطني لتطبيقات الحاسوب فائق القدرة ستعرض الشبكة العالمية موزاييك (Mosaic ) الذي تميز بسهولة استخدامه وقدرته على العمل مع اجهزة الحاسوب المختلفة ، وادى ذلك الى انتشارالشبكة على نحو واسع ، وتعزز ذلك مع اصدار متصفحات اخرى مثل نتسكيب (NetscapeNavigator ) ومايكروسوفت (MicrosoftExplorer ) . (الزيادي ، 2004 : ص3)
وقد استمرت شبكة المعلومات الدولية بالتطور السريع والانتشار الواسع في مختلف انحاء العالم ، حتى اصبحت عما هي عليه في الوقت الحاضر ، كما تم استخدامها في شتى المجالات ، ومنها مجال التربية والتعليم .
ولعل من اهم العوامل التي شجعت على الانتشار السريع لشبكة المعلومات الدولية في المجالات المختلفة هي : الوفرة الهائلة في مصادر المعلومات ، والاتصال المباشر وغير المباشر حيث يستطيع الافراد في مختلف انحاء العالم من التواصل فيما بينهم من خلال البريد الالكتروني (E-Mail ) والتخاطب الكتابي (Relay- Chat ) والمؤتمرات المرئية ( Video – Conferencing ) وغيرها ، وسرعة وسهولة وصول المعلومات وتبادلها وضمان انتشارها ، والسرعة في تبادل المعلومات ، وبالتالي فهي وسيلة اتصال متعددة الاتجاهات فهي لا تنطلق من الفرد الى العديد بل من العديد الى العديد . ( عبد العاطي ،2001 : ص1 –2 )
ويشير (Donatti , et .al . ) الى ان شبكة المعلومات الدولية ستكون وسيلة اتصال فعالة بين المدرسين وطلبتهم ، وهي بذلك تشبه الى حد ما مصدر المعلومات في المكتبات الاعتيادية ، والتي تتطلب مهارات معينة لتحديد واستخدام المعلومات المطلوبة . وبذلك تزداد اهميتها في العملية التعليمية يوما بعد اخر لانها تزود المدرسين باخر التطورات الحاصلة في مجال اختصاصهم في العالم من خلال المقالات العلمية والخطط التدريسية ، وتزود الطلبة بمصادر غير محددة للمعلومات تعزز عملية تعلمهم للمادة الدراسية . ( Donatti , et .al . , 2000 , p.2-3 )
ويؤكد (Kuhn ) بان شبكة المعلومات الدولية قد اصبحت اداة مساعدة مهمة في عملية التدريس في الدول المتقدمة، وخاصة في مؤسسات التعليم العالي . ويختلف دور هذه الشبكة فيها تبعا للتخصص وطبيعة المادة الدراسية وطرائق التدريس المستخدمة . (Kuhn , 2001 , p.1 ) .
حيث توفر شبكة المعلومات الدولية للطلبة السيطرة على عملية التعلم ، وتمكنهم من التقدم بالمادة الدراسية حسب سرعتهم الخاصة ، واختيار مسارات تعلمهم وفق احتياجاتهم الذاتية ، بالاضافة الى اثارة دافعيتهم للتعلم . وتساعد في زيادة استقلالية الطلبة ، وتطوير ستراتيجيات تعلمهم ، وتمنحهم الوقت الكافي للتفكير والمشاركة في تبادل المعلومات مع الاخرين . (Moras , 2001 , p.2 )
ويشير ( Kecmanovic andCarolyn ) الى ان شبكة المعلومات الدولية تستطيع توفير بيئة تعاونية جديدة ، يستطيع فيها الطلبة العمل سوية ، ويشتركون في فهم المادة الدراسية، ويحلون المشاكل التي تواجههم بصورة تعاونية . (Kecmanovic and Carolyn , 2000 , p.73 ) .
ويبين (Huber andWilliam ) بان شبكة المعلومات الدولية اصبحت وسيلة فعالة في العملية التعليمية ، فقد استخدمها المدرسون كمصدر رئيسي للمعلومات ، حيث تمثل موسوعة كبيرة للمعلومات بالنسبة لهم . واستطاع الطلبة من خلالها الاشتراك بخبرات تعليمية غنية عن المواد الدراسية بوسائل لم تكن ممكنة فحسب ، بل نادرا ما يمكن تصورها بدونها . (Huber and William , 1999 , p.1 )
ويستطيع المدرس من خلال شبكة المعلومات الدولية تنظيم المادة الدراسية بطريقة التي لا تؤثر على زمن المحاضرة الاعتيادية داخل الصف ، ويسمح للطلبة برؤية هذه المادة بالطريقة التي تلائمهم . (Sadow , 2002 , p.2 ) .
وهي بذلك لا تحل محل طرائق التدريس الاعتيادية ووسائلها ، ولكنها تقدم فوائد اضافية للطلبة ، وثقافة متطورة ومهمة ، وتبرز اهميتها الاساسية من خلال تعزيز التعلم الذاتي (SelfLearning ) عند الطلبة . (Phemister , 2002 , p.4 )
ويبين (Titus ) بان شبكة المعلومات الدولية تكون اثارة وتشويقا للطلبة عندما تتكامل مع طرائق التدريس الاعتيادية ، حيث تقدم المادة الدراسية بكل سهولة ويسر في الاستخدام ، وتتحدى قدرات الطلبة في البحث عن عناوين المواضيع المطلوبة ، والاتصال الفعال مع الطلبة والباحثين الاخرين .
(Titus , 1998 , p.1 )
ويؤكد (Damoense ) بان هناك العديد من الدراسات اشارت الى ان استخدام التقنيات التربوية ، ومنها شبكة المعلومات الدولية لتتكامل مع عملية التعليم والتعلم الاعتيادية ، قد تؤدي الى نتائج تعلمية فعالة بالنسبة للطلبة. (Damooense , 2003 , p.30 )
ويشير (خليف) الى ان هناك اربعة اسباب رئيسية تجعلنا نستخدم شبكة المعلومات الدولية في التعليم وهي :
1-تعتبر مثال واقعي للقدرة على الحصول على المعلومات من مختلف انحاء العالم .
2-تساعد على التعلم التعاوني نظرا لكثرة المعلومات المتوفرة عبرها ، فانه يصعب على الطالب البحث في كل القوائم ، لذا يمكن استخدام العمل التعاوني ، حيث يقوم كل طالب بالبحث في قائمة معينة ، ثم يجتمع الطلبة لمناقشة ما تم التوصل اليه .
3-تساعد على الاتصال بالمعرفة العلمية باسرع وقت واقل كلفة .
4-تساعد على توفير اكثر من طريقة في التدريس ، لانها بمثابة مكتبة كبيرة يتوفر فيها عدد كبير من الكتب والبرامج التعليمية باختلاف المستويات .
(خليف ، 2001 : ص3)
وقد اصبح هناك اتجاه متزايد لاستخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم . حيث بدا هذا الاتجاه يترسخ في العديد من الجامعات في الدول المتقدمة, التي بدأت بأجراء المشاريع والتجارب حولها ،ومن هذه التجارب تجربة جامعة (Alinoe ) منذ عام (1996) في اعداد مقرر تعليمي متكامل في الفيزياء تشمل محاضرات ، اختبارات ، تمارين ، امثلة ، واعلانات على شبكة المعلومات الدولية . وكذلك تجربة ( British Columbia ) في اعداد مقررات تعليمية باستخدام برنامج (Web CT ) منذ عام (1995 ) . وايضا تجربة قسم الفيزياء في كلية (Davidson ) في اعداد المقرر الدراسي على شبكة المعلومات الدولية ، لاعداد تمارين تحاورية منذ عام (1998 ) . وكذلك تجربة جامعة (Kaiserslautern ) منذ عام (2001) حيث وضعت على شبكة المعلومات الدولية برنامج تعليمي (RemoteControlled Lab . ) ، الذي يحتوي على تجارب مختبرية ، حيث يستطيع الطلبة في اي مكان في العالم انجاز هذه التجارب من اماكنهم المختلفة وارسال النتائج لى المشرف ، والذي يقيم عملهم ويرسل لهم النتائج بعد تصحيحها . (العمودي ، 2002 :ص6) .
- مميزات استخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم :
ان استخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم تحقق الكثير من الايجابيات وتعود بالعديد من الفوائد على كل من المدرسين والطلبة ، وتلعب دورا كبيرا في تغيير الطرائق التدريسية المتعارف عليها في الوقت الحاضر . ومن ابرز مميزات استخدام شبكة المعلومات الدولية في التعليم ماياتي :
1-توفر فرصة تعليمية غنية وذات معنى للطلبة .
2-تطور مهارات الطلبة على مدى ابعد من مجرد تعلم محتوى التخصص .
3-توفر للطلبة فرصة التعلم في اي وقت واي مكان دون الاقتصار على غرفة الصف ، والتقيد بالساعات الدراسية المقررة .
4-تعطي دور جديد للمدرس داخل الصف حيث يكون مرشدا وموجها وتطور مهاراته المهنية والاكاديمية .
5-تسرع عملية التعليم ، اذ ان الوقت التي يستطيع فيه الطالب الحصول المعلومات يكون قليلا مقارنة بالطرائق الاعتيادية .
6-تغير نظم وطرائق التدريس الاعتيادية ، مما يحفز الطلبة على المثابرة والنشاط .
7-تجعل الطلبة يحصلون على اراء العلماء والباحثين المتخصصين في مختلف المجالات حول اي موضوع يريدون دراسته .
8-قلة التكلفة المادية للحصول على المعلومات مقارنة بالوسائل الاخرى .
9-سهولة تطوير محتوى المناهج الدراسية الموجودة عبر شبكة المعلومات الدولية .
10-تجعل الطالب يتحول من الدور السلبي في العملية التعليمية الى الدور الايجابي والتعلم عن طريق التوجيه الذاتي .
11-تزيد من مستوى التعاون بين المدرس وطلبته ، والطلبة فيما بينهم .
12-تنمي روح المبادرة وتوسع افق التفكير عند الطلبة، وتزيد حصيلتهم العلمية والثقافية ومستوى تحصيلهم الدراسي .
13-تساعد الطالب على التعلم بشكل مستقل يبعده عن الاخرين ، وهذا يبعده عن التنافس السلبي والمضايقات.
14-تستطيع حل بعض مشكلات الطلبة الذين يتخلفون عن زملائهم من خلال وجود المرونة في وقت التعلم .
15-تمكن الطلبة من الحصول على المعلومات المطلوبة ، مهما اختلفت اجهزة الحاسوب وانظمة التشغيل المستخدمة عن الاجهزة المستخدمة في عملية الارسال .
(الفنتوخ وعبد العزيز ، 1999 : ص84 ) ، (الموسى ، 2000 : ص4-5 )
(الدجاني ونادر ، 2001 :ص5) .