1 . ـ يعد التكوين للمكتبات الحديثة من المسائل الصعبة والمتعددة ، في عصر يتسم بالتطورات السريعة في مجالات تقنيات المعلومات ، وتخزينها ، ومعالجتها ، واسترجاعها ، وبثها ، لوضعها تحت تصرف الناس في كل زمان ومكان ، إنه عصر التحول إلى المجتمع اللاورقي بكل حاجاته ومتطلباته ، والتعليم للمكتبات الحديثة يشبه إلى حد بعيد محاولة الإمساك بسمكة منزلقة ، ما تكاد تمسك بها حتى تنزلق ثانية من بين يديك ، لتحاول الإمساك بها ثانية ، وهكذا دواليك ، ويتحدث المكتبي روبرت براوننك Robert Brownik عن ذلك بقوله : ” إنه إدراك المستحيل ” .(1)
ويتضمن التكوين للمكتبات الحديثة تدريب المكتبيين على تقنيات المعلومات وتطوراتها المتواصلة ، بما يجعل هذه المكتبات مواكبة للعصر وآفاقه الواعدة ، كما يتضمن الربط بين ما هو كائن ، وما يستجد بإستمرار في هذا المجال ، بما يشمل الحاجات التقليدية ، والآنية ، والمستقبلية المنظورة .
وعلم المكتبات هو علم اجتماعي ، مثل الطب ، القانون ،والتربية ، يربط بين الدراسات النظرية والتطبيقية ، بين التكوين داخل القاعات والتدريب في الميدان ، وهو لا يقتصر على التحول المرتبط بتقنيات المعلومات والإتصال فحسب ، بل يشمل أيضاً إدارة هذا التحول بصورة واعية .
هكذا يقف التكوين للمكتبات الحديثة في مواجهة العصر ، وبصورة تجعل معاهد المكتبات وأقسامها الجامعية ، والمسؤولين عن التكوين في مختلف مستوياته وأنواعه ، مضطرون لإعادة النظر دورياً في منطلقات التكوين ، وأهدافه ، وبرامجه ، ووسائله ،وطرقه ، ومحتوياته ، حتى يواكب العصر ، وحتى يتمكن المكتبيون من رفع التحديات التي تواجه مهنتهم.
2 . ـ المكتبات الحديثة :
تتأثر المكتبات الحديثة بالأشكال المتميزة لمهنة المكتبات ، وتجمع بين التعليم والتعلم ، وإذا ما نكاد نتعلم هذه الأشكال المتميزة الجديدة ، حتى نجد أنفسنا في موقع تعليمها للآخرين ، أي أن علينا واجب تعليمها للآخرين في الوقت نفسه الذي نتعلمها فيه ، ونواكب حداثتها المستمرة .
وقبل أن نعلَم المكتبات الحديثة ، يجب علينا أن نعرف ما هي ” المكتبات الحديثة ” لقد قرأنا في السنوات العشرين الماضية حول ( المجتمع بدون ورق ) ، وحول (المكتبات بدون جدران ) ، ونحن نقرأ اليوم عن (المكتبات الذكية ) ، و( المكتبات الرقمية ) . كل ذلك يوضح بجلاء مدى التحولات الكبرى التي نواجهها ، ونستمر في مواجهتها . إن المكتبة التقليدية قد اختفت كلية في العالم المتقدم بعد أن أصبح يعيش اليوم المكتبات الحديثة ، وهي جمع بين أوعية المعلومات المتنوعة ، من نصوص مطبوعة ، وصور ، ولوحات ، وبيانات آلية ، ووسائط متعددة ، وفيديو مع أوعية سمعية بصرية ومعالجة رقمية ، بجميع أشكالها وأنواعها .
وقد بدأت المكتبة التقليدية بالتحول إلى المكتبة الحديثة عبر الإنتقال من الفهرسة اليدوية إلى الفهرسة الآلية ، وإقامة فهرس عام على الخط . OPACS)) ، لأن هذا الإنتقال هو عمل رائع جعل المكتبات وما فيها من أوعية ومعلومات تحت تصرف المستفيدين بصورة متواصلة دون انقطاع ليل نهار ، 24 ساعة في اليوم ، وسبعة أيام في الأسبوع ، لأن هذا الفهرس يدخل في النظام والشبكات خارج المكتبة ، ويجعلها تحت التصرف في كل زمان ومكان ، وفي المستقبل ، عندما يسود الإعتقاد أن المكتبة لم تعد بحاجة إلى مجموعاتها الورقية ، فإنه يجب التفكير في التخلي عن المبنى المألوف للمكتبة حتى اليوم ، لأن التخلي عن حفظ المطبوعات بأنواعها ، سيقلص كثيراً من حجم المكتبة ، وقاعاتها ، وفضاءاتها . والمكتبة الحديثة اليوم مازالت تهتم بحفظ المطبوعات ( المجموعات الفيزيائية ) من كتب ودوريات ونصوص وما في حكمها ، فضلاً عن الأعمال الإلكترونية ، والشبكية ، وقواعد المعلومات ، والأوعية الذكية ، والوسائط المتعددة .
وكما توجه المكتبات الحديثة جل رعايتها واهتمامها إلى الأوعية وتقنياتها وسبل معالجتها ،فإنها توجه العناية نفسها إلى المستفيدين ومطالبهم وحاجاتهم ، كذا إلى الإدارة والموظفين ، حتى يتمكنوا من الوفاء بمطالبها ، وإجراء التحولات الجديدة ، ويعرفوا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تخدم المكتبة ، وتطور أقسامها ، وبإختصار ، أن يعرفوا كيف يمكن تطوير دور المكتبة وأعمالها لتواكب الحداثة ، وما نوع التطورات المطلوب ، والبرامج اللازمة ، كذا نوع فريق العمل الذي يتولى مسؤولية قيادة التحول المنشود ، وسبل تغيير تفكير المكتبيين ، وممارساتهم اليومية . ومعروف أن كل حداثة تتبعها حداثة أخرى ، أي حداثة متواصلة دون توقف .
ومن نافلة القول ، أن التحول إلى الفهرسة الآلية لا يعني التوقف عن تعليم الفهرسة التقليدية وقواعدها .والكتاب لم يفقد أهميته بعد في المكتبة الحديثة ، برغم دخولها الفضاء الإلكتروني . ومعروف أن التحديث يحتاج أول ما تحتاج إلى برنامج مدروس ، وخطة عمل زمنية مناسبة للتغيير المنتظر ، مع المرونة الكافية ، قصد ملء الفراغ الموجود بين ما تعلمناه في معاهد علم المكتبات ، وبين تجارب اليوم ، والحداثة المتجددة . وعلينا في كل ذلك ، أن نضع حاجات المستفيدين قبل حاجات المكتبة ومطالبها ، لأن الثانية تخدم الأولى ، وتسير في ركابها .
3 . ـ حاجات المكتبة الحديثة :
للمكتبات الحديثة حاجات أساسية تتجلى في شقين أساسيين هما : الأوعية والمستفيدون . وفي ضوء ذلك يمكن الحديث عن أهم حاجاتها وفق مايلي :
ـ فضاء فيزيائي يدعى المكتبة .
ـ فضاء شبكي مع مداخل الكترونية تدعى المكتبة أيضاً
ـ قراء يدخلون ، ويتحركون في هذه الفضاءات ، عبر حضورهم الشخصي ، أو عبر الشبكات الإلكترونية ، أو الهاتف ، أو الفاكس ، أو البريد الإلكتروني ، أو يشاركون في مؤتمرات الفيديو المرتبطة بها .
ـ معلومات تقدم للمستفيدين عبر الأشكال التقليدية أو الإلكترونية .
ـ مداخل توضع تحت التصرف لتحصيل المعلومات في كل زمان ومكان .
ـ مكتبيون يسهرون على اقتناء الأشكال التقليدية والآلية وتسهيل وضعها تحت التصرف، ويتملكون القدرة على التعلم ، والتعليم والتكيف مع كل جديد .(2)
4 ـ المكتبيون بين التقليد والحداثة :
يرتبط مصطلح تقليدي وحديث بنوع المكتبة ، وتقنياتها ، وأساليب تسييرها ، هل هي مكتبة تقليدية ، أم حديثة ؟ في الماضي كان المكتبيون يجدون أنفسهم مرتبطين أكثر بالمكان والمجموعات ، حيث المكتبة عبارة عن مبنى فيه مئات ، أو آلاف ، أو ملايين المجلدات من كتب ، ودوريات ، وفهارس بطاقية ، يسهرون على هذه المجلدات ، بما تحتاجه من تنظيم ، قصد وضعها تحت تصرف المستفيدين ، بسهولة ويسر ، لتحصيل المعلومات منها .
أما المكتبيون الحديثون فهم الذين يتصفون بالصفات التالية :
ـ المبدوعن الذين يمتلكون مهارة حل المشكلات ، والإتصال المكتوب والمسموع .
ـ امتلاك القدرة التنظيمية المؤثرة ، والمرونة اللازمة تجاه أعمال المكتبة ، والإلتزام تجاه الخدمات العامة ، وحسن رعايتها .
ـ امتلاك القدرة على إدارة الفريق والمهارة الخاصة بالمراقبة المؤثرة .
ـ تحصيل عال في علوم المكتبات بمستوى الماجستير أو أكثر .
ـ إتقان لغة أجنبية أو أكثر ، وبخاصة اللغة إنكليزنية .
ـ امتلاك الخبرة الكافية في العمل مع الحاسوب ، والشبكات ، والبحث على الخط ، والكومبيوتر الشخصي .
ـ امتلاك مهارة التعليم الذاتي المستمر .
ـ القدرة على مواكبة الحداثة ، والتطورات السريعة في مجال المعلومات وتقنياتها ، ووسائلها.
لقد استطاعت المكتبات الحديثة كسرة الصعود القديمة المألوفة للمكتبيين ، فالمعلومات في المكتبة لم تعد كما كانت في الماضي ، تقدم داخل المكتبة عند الطاولة ، بل أصبحت تقدم للناس في كل زمان ومكان ، الجيل القادم هو الجيل الذي اعتاد استخدام الحاسوب . وفي الدول المتقدمة نجد أن الطفل ابن سبع سنوات يعرف كيف يطلب فهارس المكتبة ، ويسأل عن المعلومات عبرها ، انه يريد استخدام التكنولوجيا الحديثة ، بل ويتحداها ، وينتقدها . (3)
ويتطلب العمل المكتبي الحديث اليوم مهارات جديدة ، وعلى المكتبي أن يتعلم ويعلم بصورة مستمرة ، ومن أهم هذه المهارات نذكر خبرات انترنت وفي مقدمتها
(Telenet , SGML, Html, FTP ) (4)، وقواعد البيانات على الخط ، والبحث في النصوص الكاملة ، وإدارة قواعد البيانات ، استخدام الأجهزة والبرمجيات ، مهارات الإتصال الحديثة ، خدمات المعلومات ، إلى غير ذلك من المهارات التي تحتاج إلى ذكاء وقدرة على الإبداع ، وإلى إتقان اللغة الإنكليزية ، مع تخصص فرعي ، فضلاً عن الحضور الواعي المؤثر ، والديناميكية ، والشخصية القوية ، وهنا نقول أن على المكتبي معرفة حاجات الإنتقال من المكتبة القديمة إلى الحديثة ، وإدراك حاجات العبور إليها ، حتى يتمكن منها ، ويستخدمها بما يكفل تحقيقي ذلك .
ويتحمل التعليم القسط الأكبر من مهام تحقيق الإنتقال السابق الذكر ، وعليه تطوير برامجه ، وتنويع مستوياته ، وإعطاء التكوين المستمر حقه من الرعاية والعناية ، كل ذلك بما يناسب الإتجاهات الحديثة في التكوين ومتطلباته الجديدة (5) فالعصر الجديد ، له عناوين جديدة وموضوعات جديدة ، بل وتخصصات جديدة داخل المهنة ، فهناك اليوم على سبيل المثال : تخصص في المصادر الإلكترونية ، وآخر في الخدمات المرجعية الإلكترونية وثالث في قواعد البيانات ، ورابع في دعم البحوث العلمية . وهناك أيضاً مكتبيون متخصصـون في الإرتبـاط (Liaison Librarian ) أو وسطاء معلومات ، وآخرون في التوجيه والإستعلامات ، وغيرهم في الخدمات الخارجية ، أو تقنيات المعلومات ومن بين أهم المهام الجديدة المطلوبة من المكتبيين في المكتبات الحديثة نذكر:
ـ تطوير المجموعات الإلكترونية : إن على جميع المكتبيين المشاركة بشكل أو بآخر بخاصة منها مصادرها في المكتبة ، مع دعم الإرتباط وبخاصة منها مصادر الإنترنت ، والمجموعات ، والفهارس ، ووضع ذلك في صلب المناقشات اليومية الخاصة بالتطوير ، وفي مقدمتهم المكتبيون العاملون في مجال المراجع الإلكترونية ، والتواصل مع المستفيدين .
ـ إستخدام الويب : إن عالم الويب (6) هو سبيل هام آخر للتواصل مع المستفيدين ، وإن الربط بين النص والرسم فوقه هو وجه قوة في الإتصال الحديث ، وإن الصفحات المنزلية أصبحت عبره أسهل بكثير وهي تقدم معلومات عن المكتبة ، ومصادرها ، ومعلوماتها ، وخدماتها ، والعاملين فيها .
ـ التعليم في مجال المصادر الإلكترونية : إن تعليـم المستفيدين مالــه صلـة بالمصــادر الإلكتروني، وسبل التعرف عليها ، والبحث فيها ، هو جزء هام من مهام المكتبيين في المكتبـات الحديثة . والذين لا يعطون هذا الأمر حقه من العناية والتقدير ، ويقصرون كثيراً في حق المكتبـة والمستفيدين منها ، وبخاصـة التقليديين منهـم ، لأنهم أكثر حاجة إلى هذا التعليـم . (7)
5 . برامج التكوين للمكتبات الحديثة :
إن من أهم واجبات المسؤولين والمشاركين وضع مثل هذه البرامج ، النظر أولاً إلى واقع المكتبات المطلوب وضع برنامج التكوين من أجلها ، وإلى آفاقها المنظورة ، انطلاقا من حاجات المستفيدين ولن يكون البرنامج ناجحاً ، وذلك الذي يوضع بسرعة ، خلال فترة قصيرة، أو من قبل شخص واحد ، أو مجموعة صغيرة ، لأنه عمل يحتاج إلى جهود مجموعة غير عادية من المتخصصين ، أصحاب الخبرات الجيدة ، وذلك قصد وضع برنامج غير عادي ، فنحن اليوم بحاجة إلى وضع برامج تكوين فوق العادة ، برامج متميزة ، الأمر الذي يحتاج إلى مجموعة متكاملة من المتخصصين ، وإلى تحضير جيدة وتفكير متأن .
وهناك اثنا عشر خطوة يحتاجها أي برنامج تكوين ناجح ، نذكرها فيمايلي :
1 . ـ تحديد الحاجات ، من خلال الواقع ، والأهداف المطلوبة .
2 . ـ تأمين دعم المؤسسة المشرفة وزملاء المهنة .
3 ـ جمع المعلومات اللازمة ( حشد المعلومات ) لحاجات تطوير المكتبة .
4 ـ تأمين الإشراف الإداري والفني اللازمين .
5 ـ مناقشة البرنامج ، الإستشارة وتحديد الأولويات .
6 ـ تحديد البرنامج بما يناسب الفصول الدراسية ، أو الفترة الزمنية .
7 ـ تحديد التدريب والتطبيقات الفنية اللازمة .
8 ـ الإعلام الكافي والشامل ( صحف ، دوريات ، وسائل إعلام ، صفحات الويب إلخ..)
9 ـ تحديـد القواعـد والبنـي التحتيـة اللازمة (مكان تطبيق البرنامج ، التجهيزات والوسائل إلخ…)
10 ـ التغذية اللازمة ( استثمارات ، أسئلة حول المتدربين الخبرات السابقة إلخ …)
11 ـ التقييم والتطوير ، قصد معرفة مدى نجاحه ، وحاجاته المستقبلية .
12 ـ المراجعة المستمرة ، وذلك قصد تعديله وتطويره (
.
إن إهمال أي عنصر من العناصر السابقة الذكر ، يؤثر سلباً على مستوى البرنامج ، ونجاح تطبيقه ، وعلينا ، ونحن نضع أي برنامج تكوين ، بخاصة منها برامج تكوين المبتدئين والمستفيدين ، أن نضع نصب أعيينا مسألة تعليمهم كيف يتعلموا بأنفسهم عن طريق التعليم الذاتي المستمر ، وهو أمر يجب أن يبدأ أصلاً في المدراس العامة ، ويستمر في حياة الإنسان وعمله اليومي ، ونشاطاته العلمية .
وقد تطور البحث في علوم المكتبات والمعلومات وبرامجها وما يتصل بها من أمور ، خلال العشرين سنة من الماضية ، عبر ستة محاور أساسية هي :
1 . ـ ظهور نوعين من المهارات المعلوماتية هي أولاً الوسائل والتكنولوجيات التي دخلت بقوة أعمال المكتبات ، ثم ثانياً التصور والتأمل ـ وهو الجانب الأهم في هذا المجال ، لأنه وراء الابتكار والإبداع.
2 ـ الفرق بين المدرسين والمكتبيين ، وهذه أخذت قدراً كبيراً من الإعتراف ، غير أن الجهود مازالت تبذل لبناء الجسور ، وسد الفراغ بين الطرفين .
3 ـ تطوير السياسة المعلوماتية ، وتطوير البرامج والأدوات .
4 ـ ترقية المهارات المعلوماتية ، وهي الأهم بالنسبة للمكتبيين ، وقد تحرك البحث من المهارات المعلوماتية إلى التعليم ، كما تحرك المكتبيون من الدروس داخل القاعات إلى التكوين في الميدان .
5 ـ توجيه جل الإهتمام إلى تكنولوجيا المعلومات ، لأنها عماد المكتبة الحديثة ، وأساس البرامج والتكوين في المعاهد .
6 ـ صعوبة تحديد الأمور الواجب تغييرها في معاهد المكتبات بخصوص المهارات المعلوماتية ، والتطوير التربوي المنشود .
إن التعليم المهارات المعلوماتية ، يجب أن يصنع نصب عينية الأسئلة التالية :
ـ ما هي الحاجات المعلوماتية المطلوبة ، وماذا علينا أن نعمل ؟
ـ أين نحصل على معلومات ؟
ـ كيف نحصل على المعلومات ؟
ـ ما هي المصادر التي علينا استخدامها ؟
ـ كيف نتمكن من استخدام المصادر ؟
ـ ماذا نعمل لتسجيل المعلومات ونقلها ؟
ـ كيف نحصل على المعلومات التي نريد ؟
ـ كيف نستطيع عرض هذه المعلومات والإفادة منها ؟
ـ كيف نحقق الأهداف الموجودة من البحث ؟ (9)
كلها أسئلة هامة يجب على برامج التكوين أخذها بعين الإعتبار ، حتى تكون هذه البرامج في المستوى المطلوب .
6 . ـ أهداف التكوين للمكتبات الحديثة :
هناك مجموعة هامة من الأهداف التي يجيب على برامج التكوين وضعها نصب أعينها ، قصد الوصول إليها ، حتى يمكنها تطوير قدرات الدارسين لمواكبة العمل في المكتبات الحديثة . ومن أهم هذه الأهداف نذكر :
6 . 1 . ـ تدعيم معارف الدارسين حول مصادر المعلومات ، وبخاصة الإلكترونية منها ، وتقوية قدراتهم على تقييمها بعين ناقدة ،تمكينهم من البحث على الخط في بنوك المعلومات .
6 . 2 . ـ تأهيلهم للعمل في مجال علمي متخصص من مجالات علم المكتبات والمعلومات ، خدمة للباحثين والدارسين في تخصصات المعرفة الإنسانية ، لأنه لم يعد بإمكان المكتبي في مجتمع المعلومات ، أن يتقن جميع الأعمال المطلوبة في المكتبة الحديثة ، سواء منها الإدارية أو الفنية . لذلك لا بد من الحرص على تدعيم التخصص الضيق لدى كل فئة منهم ، ورفده بالجديد بين حين وآخر .
6 . 3 . ـ تمكينهم من تطوير الخدمات المعلوماتيـة التـي تهـم المستفيدين ، ومن أمثلة ذلك نذكر : تطوير نظام إداري مناسب للعمل مع التقنيات الجديدة ، تنفيذ البحوث المعلوماتية الصعبة والمعقدة ، من خلال توفير المصادر اللازمة لفائدة الباحثين ، تحليل المعلومات ، وضم بعضها إلى بعض تبعاً للحاجة .
6 . 4 . ـ تدعيم معارف الخاصة بتكوين المستفيدين ، مثل التكوين على استخدام انترنت ،إقامة دورات خاصة للبحث عند النهايات الطرفية ، مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة ، تقديم معلومات على الخط ما إليها .
6 . 5 . ـ تدريب المشاركين على تقديم الخدمات المعلوماتية ، وصنع منتجات وسائط متعددة لتغطية الحاجات العلمية ، كذا وضع الفهارس على الخط ، وتحصيل البرامج الجاهزة .
6 . 6 . ـ تمكين الدارسين من وضع طرائق على مناسبة ، وطرق إدارة ملائمة لتبادل المعلومات ، وتطوير منتجات معلوماتية نوعية للإستخدام داخل المكتبة وخارجها ، ومن أمثلة ذلك : تطوير مخططات لتنظيم المكتبة الحديثة ، حساب النفقات المتوقعة وإيرادات الخدمات المعلوماتية ، تسويق المعلومات ، إعداد بنوك المعلومات مع وضع صفحات خاصة بالمكتبة ، وربطها بصفحات مماثلة على انترنت .
6 . 7 . ـ تقوية مقدرتهم على تقييم نتائج استخدام المعلومات ، والإجتهاد لتحسين خدمات المعلومات في عالم متغير . وفي هذا السياق نذكر : تجميع المعلومات المرتبطة بتحليل الحاجات ، تخطيط البرامج ، كذا وضع مقاييس لدراسة نتائج استخدام الخدمات ، ورضى المستفيدين .
6 . 8 . ـ التوجيه لمواكبة التحديات التي تواجههم ، والإجتهاد للإبداع والإبتكار ، والتحلي بثقافة المواجهة ، والعمل التعاوني ، ومواجهة انتصار السوق ، والصمود في وجه المنافسة .
6 . 9 . ـ تعميق القدرة الإتصالية لدى المشاركين ، والقدرة على العمل مع الآخرين بمختلف الوسائل والسبل المقيدة ، وحل المشكلات التي تعترض سبيلهم . وجدير بالذكر ، أن التواصيل المعلوماتي مع الآخرين أمر هام جداً في المكتبات الحديثة .
6 . 10 . ـ التكوين على استخدام الشبكات المتخصصة ، وتقدير قيمتها العلمية ، وحثهم على ضرورة تبادل التجارب مع الآخرين ، بغية تأسيس تبادل المعلوماتي متخصص فاعل ، ثري ، ومتجدد بإستمرار .
هذه أهم أهداف التكوين التي يجب أن تلحظها البرامج تبعاً بكل نوع من أنواعه ، ولكل مجموعة من المشاركين ، ومستوياتهم . ونلاحظ هنا أن على التكوين أن يكون إيجابياً مرناً ، في عصر التحول والتغير المتواصل ، إنه التكوين لزمن متغير ، وهو يتطلب البحث عن حلول جديدة للمشكلات المطروحة ، وخلق أفكار جديدة ، منتجات جديدة ، وخدمات جديدة ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال وضع سياسة تكوين وبرامج ملائمة للعصر وحاجاته المتغيرة (10).
7 . المكتبيون الرقميون في المكتبات الحديثة :
تعطي المكتبات الحديثة اهتماماً خاصاً اليوم للمكتبيين الرقميين ، إلى جانب اهتمامها بتطوير المكتبات الرقمية ، لأن الاهتمام بالكوادر البشرية يجب أن يقف جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالتكنولوجيا ، لن تكون الثانية مجدية وفاعلة في المكتبات ، بدون وجود المكتبي الرقمي القادر على حسن استخدامها ، ووضعها في خدمة أهداف المكتبة ، وحاجات المستفيديـن(11) . بل إن الإنفاق الكبير اليوم على التكنولوجيا واقتنائها، يجب أن يواكبه إنفاق مماثل على تحسين قدرات الناس الخاصة بإستخدامها ، ومسايرة تطورها ، إن التحدي الكبير الذي يواجه المكتبيين اليوم ، ليس هدف الجهد والوقت للوصول إلى معلومات ، والإمسـاك بهـا (Catching up) بواسطة التقنيات المبتكرة ، بل في تكوين الناس على تحصيلها بأنفسهم ، باستخدام هذه التقنيات ، ووضعها في خدمة حاجاتهم المعلوماتية ، ومن واجب المكتبيين اليوم في المكتبات الحديثة أن يوجهوا جل اهتمامهم ورعايتهم لتكوين الناس ، إلى جانب تكوين أنفسهم المستمر ، عليهم أن يتعلموا ويعلموا في وقت واحد .
7 . 1 . ـ المكتبيون الرقميون والمستفيدين : إن العلاقة القائمة بين المكتبيين الرقمين في المكتبات الحديثة والمستفيدين منها ، يجب أن تكون علاقة معرفة دقيقة لحاجاتهم الثقافية ، ومتطلبات بحوثهم العلمية ، للعمل على تلبيتها . وهنا يحسن القول أنه لا يكفي أن يجيد المكتبي استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق هذه الغايات ، بل عليه تكوين المستفيدين على حسن استخدامها بأنفسهم أيضاً ، بحيث لا يرجعون إليه في كل صغيرة وكبيرة ، بل عند الضرورة ، وبذلك يستطيع أن يخدم شريحة أكبر منهم ، وأن يكون لديه متسع من الوقت للتعرف على ما يستجد في الميدان ، ومواكبته باستمرار . (12)
7 . 2 . ـ التكوين للمستقبل : إن من أهم واجبات المكتبات الحديثة ومعاهد المكتبات اليوم تكوين المكتبيين للمستقبل ، نظراً للمبتكرات المتلاحقة والمتسارعة يوماً بعد يوم في ميدان التكنولوجيات المستخدمة في هذه المكتبات ، وعلى برامج التكوين أخذ ذلك بعين الإعتبار ، قصد تأهيل الدارسين للعمل في عالم المراجع الرقمية ، وفي مقدمتها تكوين القدرة لديهم على قيادة المراجع الذكية ، واستخدام الملامس بصورة مهنية سريعة ، مع براعة الاتصال على الخط ، والتواصل المرجعي الرقمي ، والبحث الفاعل في انترنت ، وفي قواعد البيانات ، كذا مساعدة المستفيدين على الخط ، إلى غير ذلك من المهارات التي تخدم الحاضر وآفاق المستقبل.(13)
7 . 3 . ـ المهارات على الخط والعين النافدة : تجتهد المكتبات الحديثة الإدخال المهارات المكتبية على الخط ، وتضع ذلك أيضاً في مقدمة اهتماماتها ، والعين النافدة ، والواعية ، هي وحدها الكفيلة بإتقان هذه المهارات ، وهذه دعوة في الوقت نفسه لمعاهد المكتبات ، وبرامج التكوين ، لتضمين برامجها هذه المهارات ، وحسن استخدامها بوعي وإدراك ، وذلك قصد إعداد الدارسين للعمل الذكي مع الأدوات الذكية ، في العالم الرقمي ، إنه مزيج من التكنولوجيا ، والمعلومات ، والقدرة الشخصية على حسن التعامل معها ، فالمكتبات الحديثة اليوم هي في أمس الحاجة إلى مكتبيين يمكنهم جعل الخدمات الرقمية ، ناجحة ومؤثرة ، هي تدخل عالم المعلومات الرقمية .
7 . 4 . ـ اتخاذ القرارات : إن التحديات الأساسية التي تواجه المكتبات الحديثة اليوم ، وبالتالي المكتبيين العاملين فيها ، هي اتخاذ القرارات ، سواء منها على الصعيد المهني ، أو على الصعيد الشخصي ، حول ما يجب الاستمرار فيه ، أو اعتماده لتحسين الخدمات ، ثم ما علينا إضافته أو تعديله مرة بعد أخرى ، أو ما علينا تجديده أو تطويره ، كذا ما علينا إبعاده والتخلي عنه ، بسبب تقادمه ، أو بسبب التحديث الذي نعتمده . ولا بد أن يأتي اليوم ، وهو ليس ببعيد ، الذي نجد فيه الأعمال الحديثة التي نقوم بها ، قد أصبحت قديمة ، لا بد من طرحها جانبـاً ، لصالح أعمال أحدث ، أكثر سرعة ومردودية . من هنا تبدوا أهمية المتابعة ، والتجديد ، في التكوين والبرامج ، وهي بحاجة إلى حنكة ودراية ، وإلى مكتبيين يمتلكون الذكاء اللازم ، والخبرة الجيدة ، مع امتلاك القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة ، في الوقت المناسب . (15)
7 . 5 . ـ التدريب والتكوين المتواصل : إن العصر الرقمي الذي نعيش فيه يحتاج إلى تدريب متواصل على التقنيات الجديدة والمبتكرة ، وهو أمر يحتاج إلى برامج مناسبة تواكب التطورات المتلاحقة ، بدءاً من التدريب على الأمور القاعدية ، مروراً بالتخصص الأعمق المتعدد الأنواع ، وصولاً إلى التدريب على التقنيات التي تستجد في الميدان ، وهناك حاجة ماسة إلى وضع إستراتيجية طويلة الأمد للتدريب المتواصل ، تماماً كاستراتيجية التكوين والتأهيل ، إن لم نقل أكثر أهمية . (16)
وينبغي توجيه التدريب نحو المحتوى ، ونحو تنمية روح الإبداع والمهارات ، أكثر من التدريب نحو استخدام الأنواع المتعددة من التقنيات الحديثة ، وقد تحدث المكتبي بول كوني (Paul Conway) في كتابه المنشور إليكترونياً في جامعة يال الأمريكية عن أهمية التدريب في تكوين المكتبيين ، ومتابعة تكوينهم ، موضحاً أن هذا التدريب يتجه بصورة عامة نحو الإستقصاء والبحث بنسبة 44 % ، ونحو الفهرسة بنسبة 50% وما تبقى 06% نحو أمور أخرى .(17)
ويؤكد المكتبي ماكدونالد ، أن كثيراً من المكتبيين الناجحين هم الذين حصلوا على تدريب شخصي من خلال التجربة الميدانية ، وعبر التدريب أثناء العمل ، أكثر من التدريب عبر دورات منظمة تعقد خصيصاً لهذا الغرض . لذلك نراه يؤكد على التدريب الفردي والشخصي ، لأنه في نظره ، أعمق أثراً ، من التدريب عن طريق مجموعات عمل ، دون أن يعني ذلك بالضرورة إهمال التدريب الجماعي ، أو التقليل من أهمية ، ولكنه دعوة نحو الإبداع ، والتأكيد على المهارات الفردية ، دون انتظار الدورات الجماعية ، بل أخذ المبادرة ، وبذل الجهد الشخصي في أي وقت ممكن ومتاح ، في هذا السبيل . (18)
7 .6 . ـ المراجع في برامج التكوين : تدخل المراجع اليوم بقوة في برامج التكوين للمكتبات الحديثة ، بل تعقد لها برامج خاصة لصالح المتخصصين في الخدمات المرجعية ، وهناك معاهد جامعية تخرج متخصصين في هذه الخدمات ، يحيطون بها إحاطة جيدة ويتقنون سبل استخدامها بجميع أوعيتها ، التقليدية والرقمية ، ويجيدون إدارتها ، وخدماتها على الوجه الأمثل ، مع امتلاكهم معرفة سبل تطوير المجموعات ، وسبل خدمة المستفيدين منها ، فضلاً عن معرفتهم الإبداعية بوسائل الإتصال والجوانب القانونية لتحصيل المعلومات ، وما إليها . (19)
8 . تكوين المستفيدين وتدريبهم :
تعطي المكتبات الحديثة اهتماماً خاصاً لتكوين المستفيدين ، تماماً كاهتمامها بتكوين المكتبيين وتدريبهم ، لأنهم بحاجة ماسة إلى تكوين وتدريب مستمرين أيضاً ، حتى يتمكنوا من استخدام التقنيات الحديثة ، والأوعية الرقمية ، والوسائل الخاصة بالتعامل مع المكتبة ، وخدماتها الإلكترونية ، وهي مسألة لا يجوز التهاون فيها ، أو القليل من أهميتها . لذلك يجب تكوين المستفيدين وتدريبهم داخل دورات تكوين جماعيه متلاحقة ومتواصلة باستمرار ، لفترات زمنية قصيرة الأمد ، بعدَة مستويات ، أو حتى تكوينهم بصورة فردية عند الحاجة .
ويغلب على مثل هذه الدورات الطابع التطبيقي أكثر من النظري ، مع الإهتمام بحسن استخدام قواعد المعلومات ، كذا تقنيات البحث ، وتحليل الأسئلة . ويكون من المفيد وضع أدلة تربوية حول موضوعات التكوين والتدريب ، وبرامجها ، ويفضل أن تكون هذه الأدلة مطبوعة وموضوعة بالشكل الإلكتروني .
ومن أهم الموضوعات التي يجب أن تحويها برامج التكوين هذه نذكر :
ـ مقدمة حول استخدام انترنت ، والايجار لتحصيل المعلومات منها .
ـ مدخل إلى برامج الويب .
ـ تقنيات البحث وتحصيل المراجع .
ـ سبل تطوير صفحات الويب .
ـ سبل صياغة عملية البحث .
ـ نقاش حول الأدلة الموضوعية .
ـ البنى الأساسية للمكتبات الرقمية .
ـ تطوير المجموعات في المكتبة الرقمية .
ـ الدخول إلى المعلومات الآلية ، وسبل الإسترجاع .
ـ مسائل اجتماعية ، واقتصادية ، تتصل بالمعلومات ، والنشر ، والناشرين .
ـ بعض الأمور المهنية وإدارة المكتبة الرقمية .
لابد من تحديد مواعيد دورية للتعليم عبر المجموعات ، والإلتزام بها ، فتح أبواب التسجيل للإنخراط فيها أمام المستفيدين بشكل دائم ، كذا تحديد مستويات التكوين تبعاً لمستويات الدارسين ، وخبراتهم السابقة . أما بالنسبة للتكوين الفردي فيكون تبعاً لحاجات الفرد المتدرب ، ومعارفه ، وخبراته السابقة أيضاً .
ولابد هنا من الإشارة إلى ضرورة الإهتمام أيضاً بالتعليم عن بعد ، وهو سوق جديدة أمام المكتبات الحديثة ، قصد تكوين المستفيدين وهم في منازلهم ، أو أماكن عملهم ، ولهذا النوع من التكوين برامجه الخاصة ، ومستوياته المتعددة ، مثله التعليم عن قرب ، سواء بسواء.