المكتبة المدرسية.. ليست مجرد مكتبة

الكتب حين تتراص جنبًا إلى جنب تصير مكتبة، لكن لا يمكن أن تكون مكتبة مدرسية، فالمكتبة المدرسية في هيئتها التربوية، تبدو أكثر من مجرد البحث عن ركن للقراءة، أو سحب كرسي لقضاء وقت فراغ مختلف، هي ترتقي لتصبح الوسيلة الأهم لدعم المنهج الدراسي، والمساحة المناسبة ليمارس الطالب النشاطات المتوافقة لشخصيته، وتمكنه من تطوير مواهبه وهواياته وقدراته.

وبفضل التقدم التكنولوجي تنتقل المكتبة لمرحلتها الجديدة لتكون «مراكز لمصادر التعلم» ويتضمن هذا المشروع تحويل قاعات المكتبات المدرسية إلى مرافق حيوية داخل المدارس وقاعات للتعليم التفاعلي عبر تزويدها بأجهزة تقنية وبتوفير تقنيات حديثة يلجأ لها الطلاب في عمليات البحث، مما يحول هذه القاعات في البيئة المدرسية إلى مواقع حيوية تفاعلية، توفر المعلومات والمعارف للطالب عبر وسائط مختلفة، بينها الكتاب والإنترنت وقاعات تفاعلية بتقنيات حديثة.

أمين وذاكرة جديدة

تعرف المكتبة العصرية بأنها ﻧﻈﺎم ﻟﺠﻌﻞ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻔﺮد، يتولى الاهتمام بها أمين المكتبة الذي يؤدي عملاً فنيًا في مؤسسة تربوية تعليمية وهو لهذا السبب يحتاج إلى نوعين من الإعداد الفني المهني فهو يحتاج إلى الإعداد الفني في علوم المكتبات وإلى التأهيل المهني في التربية وعلم النفس.

حمد العيدان أمين المكتبة في إحدى المدارس المتوسطة الذي أصبح يدعى اختصاصي مكتبة يقول «كان الاعتماد في المكتبات المدرسية منذ إنشائها على الخزينة التقليدية للذاكرة الخارجية التي تتمثل في المواد المطبوعة من كتب ونشرات ودوريات في تقديم خدمتها إلى المعلمين والطلاب».

ويضيف: «كان في السابق يكلف أحد المعلمين برعاية المكتبة بتخفيض عدد الحصص إلى 12 حصة ليتمكن من الإشراف على وجود الطلاب في المكتبة، لكن مع التقدم العلمي، والتطور التكنولوجي، ووسائل الاتصال الحديثة تيسر نقل المعرفة، والمعلومات وأصبح بثها أسهل خلال أوعية غير تقليدية تعتمد على حاستي السمع والبصر كالأفلام الثابتة والمتحركة، والشرائح والمسجلات والشفافيات، والتلفاز التعليمي، وأشرطة الفيديو، وما إلى ذلك.

كما أن استخدام الإنترنت من قبل طلبة المدارس يوفر الكم الهائل من المعلومات التي تبهر هؤلاء المستخدمين وتدهشهم.

منى القحطاني اختصاصية مكتبات ترى أن وجود ركن التعليم الفردي والجماعي، ومقصورة التسجيل التعليمي، والإنترنت الذي بين أيدي الطالبات والطلبة يمنحهم كمًا هائلًا من المعلومات تفيض عن حاجاتهم المعلوماتية أحيانًا، فيختارون بسهولة ما يحتاجون إليه.

وتضيف القحطاني: إن لكل من المكتبة والإنترنت نظامًا وتقنية ومهارات يجب على المستخدم معرفتها فالمهارة في استخدام الإنترنت كالمهارة في استخدام المكتبة واستخدامها يعتمد أساسًا على وضوح الخطة والسياسة والنظام المعتمد لدى كل منهما. والطالب في المكتبة المدرسية يجب عليه أن يتعرف على نظام تصنيفها حتى يتمكن من الوصول إلى مصادر المعلومات التي يريدها. وبالطبع هناك بعض التشابه بين استخدام المكتبة الشاملة وبين استخدام الإنترنت.

المنهج الدراسي والمكتبة

هل يمكننا أن نجرد المنهج الدراسي المطور من التزامن بينه وبين مركز مصادر التعلم؟ تؤكد معالي الياسر مسؤولة مركز مصادر التعلم في المرحلة الثانوية أنه لا يمكن لمعلمة تحرص على مادتها الاستغناء عن المركز «المكتبة المدرسية مرفق من أهم مرافق المدرسة النموذجية التي تتبع الأساليب والطرق التربوية الحديثة، وتطبق المنهج الدراسي بمعناه الواسع، وليس باستطاعة المدرسة أن تحقق المفهوم الحديث للمنهج بدون مكتبة معدة إعدادًا جيدًا، ومزودة بقدر كاف من أوعية المعلومات على اختلاف أنواعها. والمدرسة التي تأخذ بالمفهوم الحديث للمنهج، لا تكون مكانًا تقتصر مهمته على حشو أذهان الطلاب بالمعلومات، وإنجاحهم في الاختبارات، بل تكون مكانا يساعد الطلاب على النمو المتكامل، ويحتاج معظم هذا النشاط إلى القراءة والإطلاع. لذلك نرى أن المكتبة المدرسية لها أهمية كبرى في المدرسة العصرية النموذجية، إذ إنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمناشط الطلاب التي تهدف إلى إتاحة الفرص الكافية لتعليمهم وفق أسس تربوية سليمة، فضلاً عن نموهم نموًا متوازنًا من كافة النواحي». وتضيف «إن قنوات الاتصال هي الحواس الخمس، وعلى رأسها البصر والسمع، لذلك كان التركيز على الاستفادة من إمكانيات وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على تلك الحاستين في العمليات التعليمية لزيادة تأثير وفاعلية التعليم».

معلمون وطلاب

لا يتوقف دور التعليم على توضيح المعلومة بل إن كل معلم مسؤول عن توجيه أنظار طلابه تجاه المكتبات العامة، وتجاه المكتبة المدرسية خاصة، لأن تجربة مراكز مصادر التعلم تفتح أفقًا واسعًا ومن المهم استيعاب ما يمكنها منحه للطلاب في مرحلتهم الدراسية التي يدرسونها.

وفي شأن دور المعلم يقول مسعود الأحمري الذي يدرس مادة العلوم بالمرحلة المتوسطة «المعلمون هم أصحاب الدور الأول في تحديد شكل ومضمون مجموعة الكتب الموجودة في المكتبة، وتعليم الطلاب مهارات تناول المعلومات واستخدامها وتنمية هذه المهارات، كذلك المساعدة في بناء اتجاهات إيجابية نحو استخدام المعلومات، وعمل مخطط تعاوني بينهم وأمين المكتبة، كما أنه من المهم بصفة خاصة أن يراجع المعلمون المؤلفات الموجودة في المكتبة قبل البدء في وحدة دراسية جديدة، ومثل هذه الزيارات التي يقوم بها المعلمون للمكتبة، تساعد أمين المكتبة على أن يعد نفسه، ولكنها أهم بالنسبة للمعلم إذ يتأكد من توفر مادة كافية عن الموضوع حتى يجنب طلاب الصف تجربة فاشلة عند البحث عن مزيد من المعلومات.

العلاقة السليمة

علي السعران وكيل مدرسة ابتدائية ينبه إلى أن البيت هو عامل البناء الأساسي لفكرة قبول الطالب لارتياد المكتبة المدرسية، وذلك بضرورة معرفة الطالب لما يسمى مكتبة منزلية، واستيعابه أهمية الإمساك بالكتاب منذ المراحل العمرية المبكرة وذلك من خلال وجود مكتبة منزلية، واهتمام العائلة بالقراءة، والذهاب إلى المكتبات العامة.

وكما أن العلاقة لابد أن تكون صحية بين الكتاب والطالب، لابد أن يكون الطريق بينهما مليئًا بالمتعة وإلا سيكون التململ حجر عثرة يوقف الحصول على الفائدة من المكتبة المدرسية، حول ذلك تتحدث الطالبة رنيم الحصين طالبة الصف الثاني الثانوي عن ما تجده من صعوبة في متابعة البحوث التي تطلبها المعلمة، وذلك بسبب أنها لا تميل إلى البحث الورقي، بينما خفف وجود البحث الإلكتروني الكثير من معاناتها. ويذكر الطالب عبد العزيز الغانم بالصف الثالث متوسط أن وجوده في جماعة المكتبة يجعله يحضر حلقات نقاش جيدة، ويتعاون هو وأصدقاؤه في عمل عروض (بوربوينت) لعدة دروس علمية، ويجد أن الجو مهيأ لأي موضوع يودون طرحه، ومما يساعده هو وزملاؤه وجود مسابقات وجوائز تُمنح للأعمال الجيدة، مثل مسابقة أفضل مطوية ، مسابقة فارس الثقافة، مسابقة أفضل المواقع التعليمية والتربوية على الشبكة العنكبوتية.

سليمان العريفي في المرحلة الثانوية يرى أن مركز مصادر التعلم سهلت عليه البحث عن المزيد من المعلومات، وأخرجته من أنماط التعليم التقليدية وهذا كله يصب في صالحه في الغد عندما يذهب للجامعة.

ومما قد يسيء إلى العلاقة بين المكتبة المدرسية والطالب ماذكره الباحث تيسير فتوح «أكثر المكتبات وجدت في مواقع غير ملائمة فنجد المكتبة مثلًا بعيدة عن الطلاب وقد نجدها أحيانًا في مكان تكثر فيه الضوضاء والضجيج الذي يشتت ذهن القارئ كأن تكون قاعة المكتبة قريبة من مقصف المدرسة أو قريبة من الملعب الرياضي أو قريبة من الشارع العام ، ولا يكون حل تلك الإشكالية إلا عن طريق التصميم الأولي للمدرسة بحيث يكون موقع المكتبة في الحسبان.

ويضيف فتوح: إن الكثير من المكتبات المدرسية تفتقر إلى الاتساع في المساحة فالكثير منها إما أن يكون فصلًا دراسيًا أو مخزنًا تم تحويله إلى مكتبة. فالمساحة ضرورية لكي تتمكن المكتبة من بث رسالتها وتحقيق أهدافها. ويجب أن تصمم المكتبة بحيث تكون التهوية مناسبة وفقًا للشروط الصحية وكذلك ضرورة وجود التكييف والإضاءة المناسبة مع مراعاة ظروف الأجواء التي بها رطوبة.

ويؤكد أن مجموعات المصادر التعليمية التي تقتنيها المكتبة المدرسية هي الركيزة الأساسية لتقديم الخدمة المكتبية على مستوى عال وفعال في محيط المجتمع المدرسي. ولابد من توفر سياسة مكتوبة تهدف إلى تنمية المجموعات والمقتنيات بالمكتبة المدرسية ويجب أن تهدف هذه السياسة إلى تحقيق هدفين أساسيين وهما:

- الحصول على المواد المناسبة لتكوين مجموعات المواد بالمكتبة وتطويرها لمقابلة متطلبات المناهج التعليمية واحتياجات المستفيدين.

- المحافظة على حداثة المعلومات والأجهزة عن طريق الحصول على المواد الجديدة بصفة مستمرة واستبعاد المواد الراكدة غير المستخدمة».