ملخص البحث
منذ أن أطلق عميد الأدب العربي الراحل "طه حسين" في الأربعينيات من القرن الماضي مقولته الشهيرة "التعليم حق لكل إنسان كالماء والهواء" إلىأن صدر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 والذي خلص إلىأنه على الرغم من الإنجازات التي تحققت في مجال التوسع الكمي في التعليم في البلدان العربية إلا أن الوضع العام للتعليم ما زال متواضعا. وما زالت أوضاع التعليم في المنطقة العربية مترهلة ولم تصل إلى المستويات المقبولة عالميا حتى بالمقارنة مع بعض دول العالم الثالث.
ومع ظهور تقنيات حديثة للتعليم ومن أبرزها "التعليم الإلكتروني" والذي يعتبر من أهم إبداعات ثورة المعلومات والاتصالات. والتي يمكن أن تساهم بحل جزء من مشكلات التعليم التي تواجهها المنطقة والتي من أبرزها ضمان جودة المادة التعليمية المقدمة والمساهمة بحل مشكلة شح المرافق التعليمية.
استعرضت هذه الورقة طبيعة ومكونات نظم التعليم الإلكتروني واستعرضت أبرز آثار التقنية على التعليم، كما استخلصت اهم المشكلات التي تواجه المنظومة التعليمية في الوطن العربي، ومن ثم تعرضت لما يمكن للتعليم الإلكتروني أن يقدمه لحل هذه المشكلات.
وخلصت هذه الورقة إلى أن نظم التعليم الإلكتروني قد تساهم - إذا ما احسن استخدامها – في حل جزء كبير من المشكلات التي تواجه النظام التعليمي في المنطقة العربية، بشقيه المدرسي (الموجه لفئة الأطفال)، والعالي (الموجه لفئة الشباب). حيث إن استخدام ما تتيحه الثورة المعلوماتية من إمكانات هائلة، سيؤدي إلىتعزيز قدرات المتعلمين والمعلمين ورفع مستوى معارفهم ،بما توفره من ثروة معرفية متنامية في جميع الجوانب الحياتية المختلفة، ولخصائصها المتمثلة في السرعة الفائقة في استدعاء البيانات واستخراجها بشكل ملائم.
مقدمة:
إن اللحاق بركب الأحداث قد يكون فضيلة، غير أنه في تطبيق التقنية المتقدمة في مجال التعليم أمر تفرضه المصلحة الاجتماعية والجدوى الاقتصادية وهو قوة دفع نحو مستقبل زاهر إذ من شأن ذلك تعظيم القدرة على تأهيل الكوادر البشرية في مختلف التخصصات التي يتطلبها المجتمع، إن تحقيق ذلك بالطرق التقليدية يفوق طاقة استيعاب المؤسسات التعليمية، بل إن توفير هذه الكوادر يتحقق ـ بفضل هذه التقنية ـ بتكلفة أقل كثيراً. كما يحقق تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع ، إذ لا يقتصر الانتفاع بهذه التقنية على أبناء المدن حيث توجد المؤسسات التعليمية. بل يمكن توفيره بذات الكفاءة والتكلفة لأبناء الريف والمناطق النائية بما يرفع من مستواهم العلمي ويفتح لهم آفاق المساهمة في النشاط العلمي والإنتاجي بمجتمعهم.
خلال العقد الماضي كانت هناك ثورة ضخمة في تطبيقات الحاسب التعليمي ولا يزال استخدام الحاسب في مجال التربية والتعليم في بداياته التي تزداد يوماً بعد يوم، بل بدأ يأخذ أشكالا عدة فمن الحاسب في التعليم إلىاستخدام الإنترنت في التعليم وأخيراً ظهر مفهوم التعليم الإلكتروني الذي يعتمد على التقنية لتقديم المحتوى التعليمي للمتعلم بطريقة جيدة وفعالة. كما أن هناك خصائص ومزايا لهذا النوع من التعليم أبرزها؛ اختصار الوقت والجهد والتكفه إضافة إلىإمكانية الحاسب في تحسين المستوى العام للتحصيل الدراسي، ومساعدة المعلم والطالب في توفير بيئة تعليمية جذابه، لا تعتمد على المكان أو الزمان.
هناك تحد حقيقي يواجه الدول العربية الآن هو ذلك التطور التكنولوجي الهائل وثورة المعلومات ولذا فيجب عليها أن تحدد رؤيتها المستقبلية بخصوص العملية التعليمية وأن يكون التعليم الإلكتروني أحد عناصر هذه الرؤية وأن يكون التعليم الإلكتروني أحد السياسات التي يمكن الاستفادة منها وعليها اختيار ما يناسبها من وسائل التعليم الإلكتروني المتعددة وأن تدرس تجارب الدول النامية الأخرى المشابهة لنفس ظروفها والاستعانة بالخبراء منها. وأن تتعاون مع بعضها لتتبادل بث البرامج مما يخفض تكلفة استخدام التعليم الإلكتروني .
مشكلة الدراسة؟
تتمحور مشكلة الدراسة حول التحديات والمصاعب التي تواجه النظام التعليمي في المنطقة العربية في مواجهة تحديات العصر الرقمي ونظم التعليم المعتمدة على التقنيات فائقة التطور.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية هذه الورقة من كونها تحاولٍ تقديم حلولا تقنية (التعليم الإلكتروني) لمشكلة تعليمية - اجتماعية تلعب دوراً كبيراً في رسم مستقبل المنطقة.
حدود الدراسة:
اقتصرت حدود هذه الدراسة على الإحاطة بمفهوم التعليم الإلكتروني دون التطرق لخصائصه التقنية، نظراً لأن عناصر التعليم الإلكتروني كثيرة جداً. كما أن الدراسة ركزت على تقديم حلول تقنية للمشاكل الرئيسية في النظام التعليمي في المنطقة العربية، خصوصا تلك التي تمس فئتي الأطفال والشباب.
ماهية نظم التعليم الإلكتروني :
التعليم الإلكتروني هو شكل من أشكال التعليم عن بعد، ولكنه يتميز عن طرق التعليم عن بعد التقليدية بوجود عنصر التفاعل بين المعلم والمتعلم والمحتوى التعليمي، وبوجود عنصر الارتباط الزماني بين مجموعات الطلاب والمعلمين. يمكن القول إن التعليم الإلكتروني هو طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكاته و وسائطه المتعددة من صوت وصورة ، ورسومات ، وآليات بحث ، ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت سواءً كان عن بعد أو في الفصل الدراسي المهم المقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة. (الموسى 2003م) .
تطور نظم التعليم عن بعد
كان التعليم عن بعد في البداية يعني التعليم بالمراسلة، وقد كان الوسيط بين المعلم والمتعلم هو الخدمة البريدية التى تنقل مواد مطبوعة، أو مكتوبة فيما بينهما. ولكن التقنيات التي تستخدم في التعليم عن بعد تتسع حاليا لتشمل مجموعة كبيرة من البرمجيات والنظم ووسائل الاتصال الحديثة كالأقمار الصناعية. فتوفر تطبيقات الحواسيب حاليا سبل نقل النص، والصورة، والحركة، والخبرة الحسية. كأساليب للاتصال تبرز أحيانا ما يوفره أقدر المعلمين في قاعات التدريس العادية. ويمكن الآن باستخدام الأقمار الصناعية الاتصال هاتفيا وتوصيل البث صوتا وصورة، لمواقع نائية (فرجاني 1999).
فحيث يمثل التعليم بوجه عام وظيفة أساسية في المجتمعات البشرية، كان طبيعيا أن تتغير أشكال التعليم ، وتتطور، مع تصاعد التطور التقني. وحيث يعتمد التعليم عن بعد بشكل خاص على تقنيات الاتصال، مهّد كل طور من التطور في هذه التقنيات لبزوغ الأشكال المناسبة له من التعليم عن بعد.
في الولايات المتحدة ، على سبيل المثال، منحت أولى تراخيص "الراديو التعليمي " في العشرينيات الأولى من القرن السابق، وبدأ البث التلفزيونى التعليمي في عام 1950. ولم تنشأ أولى، وربما أهم، الجامعات المفتوحة إلا في عام 1971 في بريطانيا. وبدأ استخدام شبكات الحواسيب في التعليم والتعلم في الولايات المتحدة الأمريكية عندما وفرت "مؤسسة العلم القومية" للجامعات الأمريكية فرصة استعمال شبكة الإنترنت في منتصف الثمانينيات. وتلا ذلك، أي في التسعينيات، بدء انتشار استعمال الوسائط الحاسوبية في التعليم قبل الجامعي، وفى أماكن العمل وفى البيوت، فيما عرف بالتعليم الإلكتروني.
لمإذا التعليم الإلكتروني :
لكل نوع من أنواع التعليم عن بعد، وفي الواقع لكل هدف تعليمي محدد، وسائط تقنية أكثر مناسبة من غيرها، فالراديو يساعد على شحذ الخيال، والتلفزيون فعال في التعامل مع الأحداث المركبة، والحواسيب تناسب اكتساب المهارات الناجمة عن التكرار والممارسة والتفاعل. ولذلك فإن تعدد الوسائط التقنية، في سياق التعليم متعدد القنوات، يوفر مجالا أرحب لإثراء العملية التعليمية. كذلك يتكيف استخدام الوسائط التقنية بظروف المجتمع المحدد الذي تقوم فيه، سواء من حيث التوافر، أو النوعية أو كفاءة الاستغلال. ومن هنا تأتي أهمية نظم التعليم الإلكتروني كتقنية تعليمية مكملة للنظم التقليدية.
أنواع التعليم الإلكتروني :
للتعليم الإلكتروني عدة أنواع، حيث يمكن استخدام كل نوع منها في دعم عملية التعليم التقليدي لفئة معينة من فئات المجتمع. نذكر منها:-
1) التعليم الإلكتروني المباشر:
أسلوب وتقنيات التعليم المعتمدة على وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات (الإنترنت بشكل رئيسي) لتوصيل وتبادل الدروس ومواضيع الأبحاث بين المتعلم والمدرس (الموسى 2003م). ومن أهم مزايا هذه الطريقة الاتصال المباشر بين جميع أطراف العملية التعليمية.
2) التعليم الإلكتروني غير المباشر:
التعليم باستخدام أدوات الاتصال الإلكترونية دون وجود عنصر الترابط الزمني بين المعلم والمتعلم، كاستخدام الأقراص المضغوطة أو شبكة الانترنت أو غيرها من الوسائط.
عناصر نظم التعليم الإلكتروني:
1) المحتوى (Content)
وهو المادة التعليمية ولكن بشكل إلكتروني، وهي من أهم عناصر التعليم الإلكتروني. حيث يتم إعداد المحتوى التعليمي باستخدام تقنيات وبرمجيات خاصة. كما أنه يتكون من نصوص وأفلام فيديو وصور وآليات تفاعلية متعددة.
2) الوسيط (Media)
وسيلة الاتصال بين عناصر العملية التعليمية، سواء أكانت الانترنت أو شبكات البيانات أو أي وسيلة اتصال إلكترونية يمكن التفاعل من خلالها بين المعلم والمتعلم والمحتوى. وهنا يجب ان يتميز الوسيط بإمكانية ربط المعلم والمتعلم معا في جلسات حوار، فلا يمكن اعتبار وسائل التعليم عن بعد الإلكترونية التقليدية (كالتلفزيون والفيديو ... الخ) من وسائط التعليم الإلكتروني المباشر فهي لا يمكنها توفير عنصر التفاعل المباشر الذي يعد من أهم مكونات نظم التعليم الإلكتروني.
3) المتعلم الإلكتروني e-Learner
هو الطالب الذي يستخدم الوسائل الإلكترونية ونظم التعليم الإلكتروني لحضور الدروس وتقديم الامتحانات والتفاعل مع المعلم والطلاب الأخرى ، في جلسات التعليم الإلكتروني.
4) المعلم الإلكتروني e-Teacher
وهو المعلم الذي يتفاعل مع المتعلم إلكترونيا، ويتولى أعباء الإشراف التعليمي على حسن سير التعلم، وقد يكون هذا المعلم داخل مؤسسة تعليمية أو في منزله، وغالبا لا يرتبط هذا المعلم بوقت محدد للعمل وإنما يكون تعامله مع المؤسسة التعليمية بعدد المقررات التي يشرف عليها ويكون مسئولا عنها وعدد الطلاب المسجلين لديه.
5) بيئة التعليم الإلكترونية (e-Learning Environment)
هناك عـدد من الحزم البرمجية التي تم تطويرها لتقوم بإدارة العمليات المختلفة للتعليم الإلكتروني اصطلح على تسميتها بيئات التعلُّم الإلكترونية “e-Learning Environment” وعرفت اختصاراً بـ (ELE) ، وفي الحقيقة لا يوجد تعريف مبسط لهذا المصطلح ، إلا إنه يمكن القول إن مصطلح بيئة التعلم الإلكترونية يستخدم ليصف البرنامج الموجود في أي مزود (Server) والمصمم كي ينظم أو يدير العمليات المختلفة للتعلم ؛ كتقديم المواد التعليمية ومتابعة الطلاب ؛ والواجبات الخ .
وبناء على ماسبق يمكن القول إن مفهوم بيئة التعلم الإلكترونية لايعني البيئة المدرسية الإلكترونية بمفهومها الواسع الشامل لجميع مرافقها، لكنه يعني البرنامج المصمم لتنظيم وإدارة عمليات التعليم والتعلم التي تتم عادة داخل غرفة الفصل الدراسي ، مما يمكن معه تسمية هذه البيئات بالفصول الإلكترونية.
6) مدير النظام (System Administrator)
وهو شخص تقني يدير النظام ويعمل على التحكم بموارده ويدير الجلسات ويعمل على تحديث المحتويات وضمان استمرارية اتصال عناصر العملية التعليمية معاً.
شكل (1.1) مكونات نظام التعليم الإلكتروني
التفاعل بين عناصر العملية التعليمية في نظم التعليم الإلكتروني :
يعتبر التفاعل بين المتعلم والمعلم وبين المتعلمين أنفسهم داخل حجرات الدراسة من أكثر الموضوعات التي استحوذت على اهتمام التربويين حيث أكدت الأبحاث علي أهميته في إثارة دافعية المتعلم و تحسين نواتج التعلم عن طريق تحقيق العديد من الأهداف. ويعرف التفاعل على أنه العملية التي تحدث بين المتعلم وبيئة التعلم، والتي يأخذ فيها المتعلم دوراً أكثر إيجابية. وتضم بيئة التعلم هذه في الغالب المعلم، المتعلمين ومحتوى الدراسة.
فقد وجدت العديد من الدراسات أن المتعلمين المقيدين في برامج للتعليم عن بعد، تدعم التفاعل داخل أفرادها وتشجع لديهم اتجاهات إيجابية متنامية نحو البرنامج، ومعدلات إنجاز أكاديمي مرتفعة ونسبة تسرب أقل نسبياً مقارنة ببرامج أخرى لا تدعم التفاعل داخلها مما دعا العديد من علماء التعليم عن بعد إلى اعتبار قدرة التقنية المستخدمة علي تيسير عملية تفاعل في اتجاهين بين المعلم والمتعلم من أهم الخواص التي يجب علي أساسها الاختيار والمفاضلة بين التقنية المستخدمة. وقد يرجع هذا إلي قدرة تقنية الاتصال على تقريب المسافة المكانية بين الطرفين (المعلم والمتعلم)، وتوفير فرص أكبر لدعم المتعلم وتوفير فرص ومجالات متنوعة للمناقشة والحوار.
ونظراً لأهمية التفاعل في برامج التعليم عن بعد، فقد قدم مور Moore في عام 1989 إطاراً أكثر تحديداً يمكن من خلاله دراسة ووصف أنواع التفاعل، حيث وجد أن هناك ثلاثة أنواع من التفاعل يمكن أن تحدث في بيئة التعلم عن بعد:
تفاعل المتعلم-المحتوى Learner-content interaction: وهو التفاعل الذي يحدث بين المتعلم والمحتوى التعليمي والذي ينتج عنه تعديل في خبرة المتعلم المعرفية وفهمه.
تفاعل المتعلم - المعلمinteraction Learner-instructor: وهو الذي يحدث بين المتعلم والمعلم لدعم عملية التعلم وتقويم أداء المتعلم وحل ما يعترضه من مشكلات.
تفاعل المتعلم - المتعلم Learner-learner interaction: وهو الذي يحدث بين المتعلم والمتعلمين الأخرى ، في نفس البرنامج في حضور أو غياب المعلم.
واقع التعليم في الوطن العربي :
خلص تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 إلىأنه وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت في التوسع الكمي في مجال التعليم في البلدان العربية إلا أن الوضع العام للتعليم ما زال متواضعاً. ومن ناحية النوعية توجد مظاهر عديدة للأزمة منها: انخفاض النوعية والتشوه الحاصل في القيم المرتبطة بالعمل والآثار السلبية الناجمة عن ذلك على التنمية وعلى حسن استغلال الموارد.
يمكن تقسيم نظام التعليم في المنطقة العربية إلى قسمين أساسيين وفقا للفئة المستهدفة، وهما النظام المدرسي وهو الموجه لفئة الأطفال (من هم دون 18 كما تعرفهم بعض المنظمات الدولية)، ونظام التعليم العالي (الجامعات والمعاهد) وهو يستهدف فئة الشباب (من هم فوق 18 سنة).
فالنظام المدرسي موحد المناهج (في غالبية الدول العربية) وغالبا ما تكون الحكومات المركزية هي المزود الرئيسي لخدماته مع وجود مساهمة لا بأس بها من القطاع الخاص. أما نظام التعليم العالي فهو يتمتع نوعا ما باستقلالية في اختيار المناهج والبرامج وخصوصا في الفترة الأخيرة التي استثمر فيها القطاع الخاص بكثافة في هذا النوع من التعليم.
وفي النموذجين الرئيسيين للتعليم في المنطقة العربية "المدرسي والعالي" العديد من الاشكاليات والصعوبات المشتركة. حيث أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 إلى أن التحدي الأهم في مجال التعليم يكمن في مشكلة تردي نوعية التعليم المتاح، بحيث يفقد التعليم هدفه التنموي والإنساني. وقد أشار التقرير إلى أن أهم العوامل التي تؤثر على نوعية التعليم تتمحور حول سياسات التعليم ووضع المعلمين والمناهج الدراسية وأساليب التعليم. ويمكن حصر أهم الاشكاليات التي تواجه النظام التعليمي العربي في النقاط التالية:-
أولاًً: المناهج التعليمية :
إن المناهج في البلدان العربية، بدءاً من المرحلة الابتدائية أو حتى ما قبلها، تبدو تجسيداً لمفهوم يعتبر عملية التعليم كما لو أنها عملية إنتاح صناعي تلعب فيه المناهج دور القوالب المفترض أن تنصب في عقول الناشئة (التنمية الإنسانية 2003م)
حيث تعاني مناهجنا من القصور والجمود إزاء مواكبة التطورات التقنية المتسارعة، فقد تجد أن مناهج تعليم الحاسب الآلي في الجامعات مازالت تدرس لغات برمجية لم يعد لها وجود ولا استخدام.
ثانياًً: أساليب التدريس :
إن أساليب التدريس تعتبر من أهم العناصر التي تؤثر وبشكل حيوي على نوعية التعليم. حيث تتعدد في دول العالم أساليب توصيل المعلومات، فمنها المحاضرة، ومنها حلقات النقاش وورش العمل، والعمل التعاوني والمخبري. لكن في البلدان العربية يطغى أسلوب المحاضرة والإلقاء من جانب المعلم على كل ما عداه من أشكال.
وقد أشار ممدوح عثمان في بحثه " التكنولوجيا ومدرسة المستقبل" إلى أن العملية التعليمية ما زالت تتم داخل الصفوف الدراسية ، وتركز على المعلم كمصدر أساسي للمعلومات ، وتتم بالطرق التقليدية المعتمدة على الكتاب الورقي والقلم والسبورة وبعض الوسائل التعليمية القديمة . أما استخدام الحاسبات والإنترنت والمعامل ذات الوسائط المتعددة فلم تجد طريقها إلي الكثيرمن مدارسنا بعد (عثمان 2002م).
ثالثاً: تقنيات التعليم :
مازالت التقنيات التعليمية في المنطقة العربية تعتمد على الأساليب التقليدية حيث لا تجد في غالبية المدارس مختبرات حديثة أو أجهزة محاكاة وتدريب. ناهيك عن ندرة وجود أجهزة الحاسب الآلي. حيث لا تتوافر بيانات عن استعمال الحاسب في التعليم في الدول العربية إلا عن مصر. فمن بيانات مؤشرات التنمية الدولية من البنك الدولي 2003 نجد أن نسبة الحاسبات في التعليم في مصر إلىعدد السكان قد بلغ 75 حاسب تعليمي لكل مئة ألف نسمة، بينما بلغ العدد في ماليزيا 512 أي حوالي سبعة أضعاف مصر. والفرق مع البلدان المتقدمة لا بد سيكون أكبر ( المعهد العربي للتخطيط، 2004م ) .
رابعاً: أساليب التقييم والامتحانات :
تركز أساليب التقييم والامتحانات في النظام التعليمي العربي على اختبار الذاكرة وليس العقل، حيث تجد أن النمط الشائع من الامتحانات يعتمد على التسميع وتعداد النقاط وليس تحليل الموقف، حفظ المعادلات الرياضية لا كيفية استخدامها. حتى في امتحانات العلوم والرياضيات تجد أن الكثير من الطلبة يحفظون طرق حل المسائل والمعادلات. و تتضح ضخامة هذه المشكلة في معضلة الامتحان الثانوي العام، والذي يتسبب في كثير من الحالات إلى ضغوط نفسية تؤدي إلى نتائج سلبية على الطلبة.
خامساً: زيادة أعداد الطلبة (تكدس الفصول) :
ارتفع عدد الطلبة في الوطن العربي من 16.6 مليون طالب وطالبة عام 1980 إلى42.9 مليوناً عام 1987، أي نسبة 13.5% على التوالي من سكان الوطن العربي. وقام بتدريس هؤلاء 553 ألف أستاذ عام 1970 ومليون و928 ألف أستاذ عام 1987. وقد وصل عدد الطلبة إلى59.24 مليوناً وعدد الأساتذة إلى3 ملايين عام 1997 . أي أن نسبة الأساتذة والطلبة معاً إلىعدد السكان قد وصلت إلى24.66% عام 1997 مقابل 17.6% عام 1975. (قاعدة بيانات اليونسكو) .
سادساً: ضعف المخزون التعليمي :
إن مخزون سنوات الدراسة المتراكم لدى السكان العرب ما زال متواضعاً، على الرغم من تقدمه السريع، في معظم البلدان العربية المتاح عنها بيانات. فهو عام 2000 لم يصل إلىسبع سنوات لدى السكان من سن 15 فما فوق في الأردن (6.91 سنة وكان 2.33 سنة عام 1960 ) وفي بعض البلدان فإن المتوسط أقل من ذلك بكثير (1.48 سنة في اليمن عام 1990 و2.14 سنة في السودان عام 2000( .
وفي الوقت ذاته نجد أن هذا المتوسط يصل عام 2000 إلى9.47 سنة في اليابان، 10.84 سنة في كوريا، 11.62 سنة في كندا ، و12.05 سنة في الولايات المتحدة. وحتى في بلدان نامية أقل ثراء من جملة البلدان العربية نجد هذا المتوسط يفوق المتوسطات العربية (سريلانكا 6.87 سنة عام 2000. (المعهد العربي للتخطيط، 2004) .
سابعاً: وضع المعلمين والمعلمات :
مما لاشك فيه أن هناك عددا كبيرا من المعلمين من ذوي الخبرة والمؤهلات العالية الذين يلعبون دورا هاما في إنجاح العملية التعليمية. ولكن توجد مجموعة من العوامل التي تؤثر سلبا على قدراتهم منها:-
تردي مستوى المرتبات للمعلمين في غالبية البلدان العربية، بحيث يضطر معظمهم إلى البحث عن وظائف أخرى أو اللجوء للدروس الخصوصية والتي ساهمت بشكل كبير في تقليل شأن المدرسة كمكان لتلقي العلم والمعرفة.
نقص الإمكانات المتاحة في المدارس، حيث يضطر معلمو العلوم والطبيعة إلى استخدام أسلوب التلقين بدلا من أسلوب البحث والتجارب، لعدم توافر تجهيزات كافية في المختبرات المدرسية.
نقص التدريب والتعليم المستمر، مما يؤدي لتراجع الخبرة والمعرفة لدى المعلمين.
ثامناً: ضعف الإنفاق على التعليم:
يشكل الإنفاق على التعليم مؤشراً على الأهمية النسبية التي توليها الدولة لتشكيل رأس المال البشري .. وبمقارنة معدلات الإنفاق على التعليم في الدول العربية مع الدول المتقدمة والنامية؛ نجد أن نسبة الإنفاق على التعليم إلىالناتج القومي الإجمالي هي في الحدود العالمية وإن تراجعت بين عامي 1985 و 1995 . ولكن الذي يثير الانتباه والأسف هو تراجع الإنفاق العام على التعليم للساكن الواحد فقد كان هذا الرقم 122 دولاراً أمريكياً عام 1985 وتراجع إلى110 دولارات عام 1995 في الدول العربية مقابل 520 دولاراً و1211 دولاراً للعامين على التوالي في الدول المتقدمة (انظر الجدول (2.2). وإذا كان هذا الرقم قد تشابه مع متوسط العالم عام 1985، فإنه أصبح لا يشكل إلا نحو 40% منه عام 1995 ، الأمر الذي يشير دون شك إلىمشكلة نوعية لا يمكن تجنبها.
أثر التقنية على التعليم "حلول التعليم الإلكتروني" :
أثر التقنية على التعليم :
لقد شهدت العقود الأخيرة تطورات سريعة ومتسارعة في التقدم العلمي والتقني غيرت من مفاهيم العلم والعالم. فقد تقاصرت المدة بين الاختراع والتطبيق وزادت حماية الملكية الفكرية على الرغم من عصر شيوع المعلومات وأججت نار المنافسة في الإنتاج وتكاليفه وأهمها تكاليف العنصر البشري ومؤهلاته. وقد شهدت بعض القطاعات على وجه الخصوص ثورات مهمة غيرت في أسواق الإنتاج وأسواق العمل.
ومن المتوقع أن يحدث العصر الرقمي ثورة في التعليم حيث تمكن تقنيات هذا العصر الطلاب من أن يصبحوا أكثر نشاطاً وأكثر استقلالية في تعلمهم. فالإنترنت سوف تسمح بإقامة تجمعات ذات بنى معـرفية جـديدة يمكن فيها للأطفال وللبالغين في أنحاء العالم من أن يتعاونوا وأن يتعلموا الواحد من الآخر (أبو السمح ورحال 2002م).
الجدول (2.2) تطور الانفاق على التعليم في أقاليم العالم 1985-1995
نسبة الإنفاق على التعليم إلىGNP (الناتج القومي الإجمالي) معدل الإنفاق العام على التعليم للساكن الواحد (بالدولار)
السنة
الاقليم 1985 1995 1985 1995
الدول العربية 5.8 5.2 122 110
الدول المتقدمة 5.0 5.1 520 1211
الدول النامية 4.0 3.9 28 48
العالم 4.8 4.9 124 252
المصدر: قاعدة بيانات اليونسكو
لقد أظهر ملخص بيك ودوريكوت العوامل العشرة الأهم في استخدامات التقنية في التعليم. حيث يقدم استعراضا جيدا لما يمكن للتقنية أن تحقق هذه العوامل تتضمن جهودا مساعدة لتحقيق أهداف التعليم (الصالح 2002):-
1. التكيف وفقا لاحتياجات الفرد
2. زيادة مهارات الوصول للمعلومات وتقييمها واستخدامها.
3. زيادة حجم وجودة مهارات الطلاب في التفكير والكتابة
4. تطوير قدرات الطلاب في حل المشكلات المعقدة (وهي مهارات لا يمكن تعليمها – نقلها مباشرة من المعلم للطالب – ولكن يمكن تطويرها بتوفير الأدوات المناسبة.
5. زيادة الوعي العام للطلاب.
6. تنشئة إبداعية (بتوفير العديد من التقنيات الحديثة)
7. خلق فرص للطلاب للعمل الإبداعي اللامنهجي.
8. تزويد الطلاب بمصادر تعلم عالية المستوى وشيقة في آن معاً
9. جعل الطلاب يشعرون بالارتياح في التعامل مع أدوات العصر الرقمي
10. زيادة إنتاجية وفعالية المدارس.
__________________
undefined